الأفكار كالفاكهة يفضل أن نتناولها طازجة، إذا نضجت أكثر مما ينبغي انتهت صلاحيتها فلا تصلح للأكل ولا حتى للزينة، الكثير منا يدخرون أفكارهم لوقت طويل جدا حتى تفسد الفكرة
دأب الكثير منا على ترحيل مشاريعهم ومبادراتهم إلى الوقت المناسب غير مدركين أن الوقت المناسب سراب. والسراب لا يمكن أن نقبض عليه. إن التأجيل هو موت بطيء لمشاريعنا.
تكريم مشاريعنا ومشاعرنا لا يتحقق إلا عندما نشرع في بلورتها وتحويلها إلى واقع نحسه ونلمسه ونستنشقه.
الاحتفاظ بأحلامنا في أدراج صدورنا يجعلها تصدأ. والأشياء الصدئة لا تستعمل.
إذا أردنا أن نحقق نجاحا علينا أن نسارع في تنفيذ أفكارنا. إن الفكرة كالطائر لا تمنحك فرصة، إذا اقتربت منها طارت، عليك أن تقتنصها بذكاء قبل أن تفر منك أو يصطادها غيرك. التأجيل يفسد الفكرة ويصنع الحسرة.
إن من أبرز عيوبنا كمجتمعات عربية هو عدم الاكتراث بعامل الوقت والتعامل معه على أنه رصيد لا ينفد رغم أنه في الحقيقة أسرع الأرصدة زوالا.
الناجح هو الذي يستثمره كما ينبغي ولا يدعه يتسرب من أمامه دون أن يصرف كل ثانية فيه بكل ما هو مفيد.
حقق الكثير من المبدعين نجاحات كبيرة في يفوعتهم وفي أولى مراحل شبابهم.::
كان لويس برايل كفيفا وصغيرا عندما اخترع نظام برايل للمكفوفين، لم يتجاوز عمره حينها الـ15 عاما. النجاح لا يحتاج إلى بصر وعمر،
بل إلى بصيرة وصبر. لم ينتظر برايل طويلا. قبض على الفكرة وتولاها بعنايته وذكائه حتى أضاءت وجعلت اسمه خالدا حتى اليوم.
واستطاع الفيزيائي والرياضي والفيلسوف الفرنسي، باسكال بليز، من اختراع الآلة الحاسبة وهو في عقده الثاني، واشتهر بتجاربه
الفيزيائية على السوائل في سن مبكرة.
ونجح في التوصل إلى قانون فيزيائي سمي باسمه في مجال ضغط السوائل خلال الخمسينيات من القرن السابع عشر الميلادي. وساعدت
تجارب باسكال على إثبات أن للهواء وزنا، وأن ضغط الهواء يمكن أن ينتج فراغا، وبذلك أزال شكوك العلماء في ذلك الوقت في إمكان
وجود الفراغ. توفي باسكال وهو لم يكمل 39 عاما، لكن حقق ما لم يحققه الكثيرون ممن طال عمرهم وكثر تسويفهم وتأجيلهم، وكرمته فرنسا بوضع تمثال له من صنع النحات أوغستين باجو يعرض في متحف اللوفر.
أما جون هارفارد فقد بادر مبكرا في تأسيس مكتبات، ومدارس، وكلية سميت باسمه بعد وفاته وصارت لاحقا أحد أهم الجامعات على
مستوى العالم. قام بكل هذه المبادرات وهو شابا. لقد توفي وهو في الـ30 من عمره، هارفارد لم يعش طويلا، عاش حياة قصيرة، مات عام
1638، لكنه لا يزال حيا يردد اسمه الملايين شرقا وغربا كل يوم مرادفا للعلم والمعرفة والعراقة.
كما نجح المهندس البريطاني إسامبارد برونيل في صناعة جسور عظيمة كجسر كليفتون المعلق، وأنفاق هائلة، وبواخر عملاقة، وهو في
منتصف العشرينيات. توفي في مطلع العقد الخامس، لكنه ترك إرثا يشعرك أنه عاش أكثر من 100 سنة. سُميت جامعة في بريطانيا باسمه
ناهيك عن المراكز المعرفية والمكتبات العامة وحتى الحدائق مما يجسد حجم ما قدمه ويعكس التقدير والامتنان الذي يكنه له مواطنوه رغم
رحيله المبكر.
إن الأفكار كالفاكهة يفضل أن نتناولها طازجة، إذا نضجت أكثر مما ينبغي انتهت صلاحيتها فلا تصلح للأكل ولا حتى للزينة، الكثير منا
يدخرون أفكارهم لوقت طويل. طويل جدا حتى تفسد الفكرة. لا تنقص مجتمعاتنا الأفكار، لا ينقصنا سوى استثمار هذه الأفكار.
علينا أن ننتهز أي فكرة تخطر على بالنا ونبدأ في العمل عليها. علينا أن نشتعل وننشغل بها حتى تشرق وتضيء. إننا كمجتمعات أضعنا
الكثير من أفكارنا. أهدرنا الكثير من أوقاتنا في انتظار ما لا يجيء، الوقت المناسب لا يجيء. إنه يذهب فقط.